روايات شيقه

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_1]

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل الثالث والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الثالث والعشرون

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

 

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل الثالث والعشرون

 

“لن أغفر لك”

بعد خروج تهاني بدلت ملابسها وعادت نور لوضعها الأول لا تستطيع النوم من شدة تفكيرها فيما حدث اليوم من مفاجأة وصدمة كبيرة لها، ولا تحسن التفكير حتى .. ما تفكر به في هذه اللحظة هو يوسف .

تمسك الهاتف كل حين تنظر له بلهفة وترقب كأنها تنتظر أن يتصل بها ولكن لن يفعل، فلما يهاتفها وهو بهذه الحالة وكل تفكيره منصب على شقيقته المفقودة !! أو حتى تقوم هي بالإتصال به كي تطمئن عليه ..

تفكر بتردد شديد تريد الإتصال عليه ولكن في كل محاولة تتراجع سريعًا عن قرارها، ولكن ماذا يفعل الآن يا ترى بماذا يفكر وإلى أين ذهب ؟ .. لم تكن تريد تركه وشأنه وهو في هذه الحالة ..

ولكن يجب أن لا تزيد الثقل عليه فيكفي ما به من هموم، لا يجب أن تبالغ بإهتمامها أكثر من اللازم وكأنها منصبة عليه هكذا .. فكرامتها أهم من كل شيء لن تتصل به .. إذا كان يريدها سيقوم بالإتصال بها .. فلن تفعل ذلك، هكذا كان قرارها الأخير .

ألا أنها متعجبة من أمرها حقًا ولا تعرف ماذا أصابها، .. وﻷول مرة تهتم بشخص غريب بهذا الشكل، فهي تشعر بأن هذه الفترة بداية من دخول سلمى للمشفى بإقترابها منه وإقترابه منها، وكل يوم يزداد إقترابهما من بعضهم البعض .. حتى الألقاب بينهم شبه منعدمة تمامًا .. فهي على ثقة كبيرة وتامة بأن يوسف يشعر بما تشعر به تمامًا .. حديثه ونظراته وطريقة تعامله معها أختلفت تمامًا عما كان يعاملها من قبل، وأيضًا هي كانت تخجل منه بشدة وأن تنظر في عيناه ومن كلماته الرقيقة التي تشعرها بالخجل .. ولا تزال على نفس الوضع بإختلاف أعتيادها على الحديث معه، فزال التوتر والإحراج في تعاملها معه قليلاً .. فالأحداث الأخيرة جعلتها يقتربا من بعض كثيرا، نظراً أن كلاهما على نفس القارب، والحالة التي يمر بها يحتاج من يهون عليه قليلًا .. ولكن لا .. يجب أن تتوقف يجب أن يعود كل شيء لما كان بعد المرور بسلام من هذا الكابوس .

حاولت بقدر من اﻹمكان أن تزيله من تفكيرها فأغمضت عيناها وحاولت أن تنام .

*****************

بعد أن ترك إيهاب وهو يتسكع بسيارته بلا هدف، يفكر في الأحداث المتداخلة التي حدثت له منذ بداية معرفته بسلمى حتى الآن، أحداث غريبة متتداخلة ومشاكل كأن أصعب من يتخذ قرارها في وقت ضيق للغاية .. وأصبح مجبر على الزواج منها ولا يعرف أن كان يحبها أم يحب سارة، التي في الآونة الأخيرة لا تبدو كسارة خطيبته التي يعرفها منذ سنوات على الإطلاق، يوجد متغيرات لا تفسير لها حتى الآن ولكن الأكيد بأن كل شيء سوف يكشف ستاره عما قريب .. فقرر لن يتحدث معها إلا عندما تفسر له عن سر معرفتها بهروب سلمى .

قرر الصعود بسرعة قبل أن تراه تهاني وتقوم بأستجوابه وهو لا طاقة له للحديث في هذا الموضوع ولا تحمل نقاشات ومجادلات، لأنه بكل بساطة لا يوجد لديه إجابة على الإطلاق فهو بضغط نفسي وعصبي شديد ويمكن أن ينفجر في أي لحظة في أي شخص أي كان من هو بسبب سلمى، فهو يرى بأنها السبب فيما وصلوا إليه من تعقيدات بسبب الصفقة التي سوف تحدث لهم .

صعد إلى غرفته فخطر على باله شقيقته نور، من المؤكد أنها عادت إلى المنزل بعد هذا اليوم المشئوم ..

قرع على الباب ثم دخل بعدما سمع الأذن بالدخول .. وجد نور ممدة على الفراش مغمضة العينين بسكينة تامة، واضعة ذراعها حول عيناها والذراع الآخر مفرود على الفراش بأريحة تامة مع ثني أحد ساقيها .. إنه يعرف تلك الوضعية جيدًا، ما هي إلا تنم على الإرهاق الشديد .. وعلى رغم ذلك يريد الحديث معها .. فقطع الصمت وهو يجلس على طرف الفراش قائلًا بنبرة جادة نوعًا ما :

– نور .. قومي عايزة أتكلم معاكِ شوية

ردت وهي على نفس الوضع بشيء من الضيق :

 

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه متسولة كعابيش

رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول

رواية الشادر الفصل الثامن

– بعدين يا طارق مفيش طاقة للكلام

صاح بها بضيق لأول مرة يتحدث معها بهذا الأسلوب :

– لا مفيش حاجة أسمها بعدين نتكلم دلوقتي يلا

أعتدلت جلستها بأنزعاج وغضب شديد وصاحت به بعنف :

– إيه في إيه .. بتزعقلي كده ليه .. هو أنا إللي هربتها مثلًا عشان تطلع عصبيتك عليا .. قولتلك مفيش طاقة للكلام يا طارق مش قادرة أتكلم .. خلاص فرهدت يا أخي .. بعدين

كأنه لم يستمع إليها فأردف :

– سلمى فين يا نور ؟

أتسعت عيناها لم تصدق الحالة التي وصل إليها .. فقالت بتعجب :

– نعم يا طارق ! أنت بتستهبل مش كده ؟! أو بتستعبط أيهما أقرب .. وأنا اشعرفني راحت فين أنا زيي زيك .. ثم أنا إللي أكتشفت الموضوع هخبيها يعني!!

صاح بها بإنفعال ونبرة أتهام :

– لا يا نور أنتوا صحاب ومبتخبيش عليكِ حاجة .. مش يمكن دي لعبة بينكوا عشان الجوازة متمش ؟

زفرت نور بغضب ثم قالت :

– لا حول ولا قوة إلا بالله .. سلمى الفترة الأخيرة وهي متغيرة ومبتحكليش حاجة .. ولو زي ما بتقول متفقة مع سلمى بالعقل كده أكون مساعداها واجي أبلغوا واجمعموا مكنتش جيت أنا ويوسف الإجتماع على الأقل فلتنا منه ومقولناش تعالوا شوفوا حل في المصيبة دي

عقد ذراعه وصاح بها بضيق وإتهام :

– ايوووووة تعالي هنا بقى كنت فين وبتعملي إيه مع يوسف .. إللى بينك وبينه ؟!

أتسعت عيناها بشدة وصدمة لم تصدق ما تفوه به اخيها الآن .. إنه يشك بها وتفكيره وصل إليه لهذه الدرجة .. لم تستوعب بأنه سيأتي اليوم ويتهمها بهذا ولا يوجد شيء بينهم من الأساس .. فنهضت بعنف وجلست قباله تصيح به في غضب شديد :

– نعم إللي بتقوله ده ! .. أنت أتجننت ولا بتستعبط يا طارق أنت بتشك فيا ؟! .. بتتهمني إني على علاقة بيوسف ؟!! .. دي أخرتها! .. الظاهر أنك مش طبيعي وإللي حصل أثر على دماغك وعقلك يا أستاذ ولا مستوعب أنت بتقول إيه أصلًا .. مش هسامحك على إللي قولته في حقي يا طارق وخليك فاكره كويس .. اخص عليك بجد .. آخر حاجة ممكن أتصورها منك أنك تشك في أخلاقي ..

لكن قبل ما تعاتبني عاتب نفسك شوف إللي وصلك للمرحلة دي مع سلمى عشان توصل بيها الدرجة وتهرب .. يا خسارة يا طارق يا ألف خسارة

نظرت له بإشمئزاز وحزن وكسرة نفس وخيبة أمل على ما تشعر به وما تفوه من كلمات جرحت فؤادها، والدموع تجمعت في مقلتيها لازمة كاللؤلؤة .. تركته وحده وغادرت الغرفة سريعًا بخطوات أشبه بالركض .

تناول هاتفه وقام الأتصال بيوسف، عندما سمع صوت من الجهة الأخرى صاح به في عنف شديد :

– أسمع يا يوسف أبعد عن نور أحسنلك وإياك تكلمها أو تقربلها .. كفاية مش هيبقى أنت واختك المجنونة إللي منعرفلهاش طريق وسبب في المشاكل إللي وصلنالها بعملتها السودة دي

أغلق المكالمة على الفور دون أنتظار رد منه، وألتفت نحو الباب وجد تهاني واقفة والدمع في مقلتيها تنظر له بخيبة أمل وحزن وغضب شديد، عاقدة ذراعها .. فقد سمعت كل شيء بداية من مشاداته مع نور حتى المكالمة .

عندما أخبرها الخادم بوصول طارق صعدت كي تطمئن عليه وفي طريقها لغرفته سمعت صوته في غرفة نور والمشادة بينهم .

نظرات تهاني له كانت قاتلة مميتة .. صاحت به عنف :

– ممكن أفهم تفسير الهبل إللي سمعته ده ؟! .. هي حصلت يا طارق تشك في اختك !!

رد مبررًا وهو يصيح :

– اومال كانت فين كل الفترة دي من ساعة الميتنج وهي أختفت وراه وملهاش حس .. حتى قبل كده نظراتهم بتقول حاجة

لم تستطع التصديق على كلام ابنها .. هل هذا طارق حقا .. لا يمكن أن يكون هو .. فصاحت به في غضب :

– لا أنت الظاهر زي ما قالت أختك إللي حصل لحس عقلك ومش عارف عواقب إللي بتقوله .. وكلامك لحظة غضب هتتحاسب عليه يا طارق .. أختك إللي كبرت معاك وعينك عليها خطوة ورا خطوة وعارف أخلاقها كويس ومش ممكن تعمل حاجة زي دي من ورانا .. تبقى على علاقة بيوسف أزاي إللي بتشوفه صدفة أصلًا في شركة الجوهري وتعاملهم خفيف ؟ اختك مبتخبيش عني حاجة عشان تكون عارف وحكتلي عن طبيعة علاقتها بيوسف زمايل في الشغل وبس .. لما يجي أبوك ليك حساب معاه .. يا خسارة تربيتي فيك يا طارق .. يا ألف خسارة

زفر بضجر شديد .. فقد أختنق حقًا وكاد أن يفقد أعصابه ولكن تماسك وقال بنفاذ صبر :

– أنا آسف يا أمي دماغي مش فيا

صاحت به بإنفعال شديد وقالت بعزم وجدية :

– مش عايزة أسمع منك ولا كلمة، ولا ليك كلام معايا ..آسف دي تقولها لاختك إللي جرحتها وياريتها تداوي وترضى تسامحك .. حسابك مع أبوك لما يرجع

أصبح في غرفته في منتهى العصبية والغضب، كاد أن يخسر شقيقته في لحظة غضب ولا يعرف من أين آتى له هذا الحس .. يمكن أنه كان يتمنى أن تقف بجانبه كما فعلت هي مع يوسف ؟ يشعر بأنها غير متضامنة معه لا يعرف لماذا .

كاد أن يحطم كل شئ أمامه في الغرفة .. جلس في ضيق وهو يفكر كيف يمكنه مصالحة نور وأكتساب ودها مرة أخرى، وتلك السلمى الهاربة رغم صدمته ألا أنه يريد تهشيم رأسها غيظا من تلك الكارثة التي سوف تحل عليهم بسببها .. ألو يعرف سر هروبها .. فكر كثيرا في حديث نور وهو يراجع جميع تصرفاته معها ويبحث عن الخطأ .

مسك هاتفه وحاول الإتصال بها ولكنها لم ترد عليه على الإطلاق .. فلا يمكنه الآن الإتصال بإيهاب وقص ما حدث بينه وبين شقيقته ولا يعرف ماذا يفعل بعد .

بعد مغادرة تهاني الغرفة مسرعة عادت إلى الحديقة والدموع تسيل على وجنتيها في ألم وغضب وحسرة على أبنها وتبديل حاله لهذا الشكل .. لا تعرف ماذا حدث لعائلتها بعد خضوعهم لتلك الصفقة اللعينة التي تسببت لهم بكثير من المشاكل والعقبات هم في غنى عنها .. فيجب ردعه إلى هذا الحد .

تناولت هاتفها وحاولت الإتصال بنور عدة مرات لا محال .. زفرت بغضب وحزن شديد وهي تدعو الله أن تكون ابنتها سالمة وبخير .

*******************

بعد خروجه من الفيلا يقود بسيارته بلا هدف، لا يعرف إلى أين يؤول .. شعوره بالأختناق الشديد زاد أكثر بعد مكالمة طارق له، لم يتوقع أبدا أن يصدر منه هذا الفعل من طارق، هل يشعر حقًا بأن هناك شيئًا غريب بينه وبين نور ولما ؟.. هل هذه حقيقة هو يراها بالفعل أم هي مجرد توهم لديه ؟ .

جرح كثيراً من أسلوبه ونبرة صوته، سيحرمه من الإنسانة التي وقف سندًا له في عز محنته، من كانت تهون عليه وتجذبه نحو النور .. من أخرجته من ظلمته وزالت الحزن من قلبه ولو قليل في وقت كان وحيداً ووالده كل ما يشغله الصفقة والمال .. ضاع أمله في الحياة ولم يجد من يشكي له عما بداخله، فقد رحلت سلمى هي الأخرى ولكن بشكل مؤقت ولا يعرف أين هي الآن .. شعوره بالعجز أكبر من أي شيء كأنه مكتوف اليدين، لا يوجد مكان لم يبحث فيه ..

تنهد بحيرة ولا يعرف ماذا يفعل الآن حقًا، لا مكان له ليذهب إليه وهو في هذه الحالة ليشكي له ما به .. شرد قليلاً ثم أتسعت عيناه عندما تذكر شيء هام .

أنحرف بسيارته وغاير طريق سيرة وهو يقود بسرعة عالية في سبيل وجهته .. وهو يعلم جيدًا إنه سيكون نوعا ما أفضل عندما يصل ويفصح عما بداخله بكل حرية .. وإن شاء يبكي لبكى .

****************

بعد ذهاب يوسف من الفيلا جلس هاشم مكانه يفكر في حديث ابنه الذي لم يحرك به شعرة إلا في الدقائق التي عاتبه بها .. عاد مرة أخرى إلى تفكيره في تلك الصفقة اللعينة وماذا سوف يفعل إذا تأخر في زواج ابنته .

نزل إلى مكتبه وفتح الحاسوب الخاص به وأخذ يعمل عليه قليلًا إلى أن جاءه رسالة هامة للغاية .

تلك الشركة تستفسر أو تتأكد عن موعد زفاف سلمى وطارق ولا يعرف ماذا يقول .

أيقول أن ابنته هربت ولا يوجد زفاف ؟! ولكن كيف فتلك الصفقة بمثابة كل شيء له .. لا أحد يعرف حتى الآن ما تأثير تلك الصفقة على تفكيره بهذه الحالة ولما هي بالتحديد .. لا يستطيع أن يقول لهم الحقيقة .

دقائق وتم أرسال رسالة أخرى أن لم يتم الزواج اليوم وبأسرع وقت سيتم تزويج سلمى منهم وهو يرفض هذا الأمر بشدة .. لا يوجد حل إلا وأن يتحجج بمرض ابنته حتى يستطيع إيجادها في هذه الفترة .. وبالفعل أرسل لهم فاكس بذلك وهو يخشى وترقب النتيجة بفارغ الصبر .

بعد ذلك تناول هاتفه وأتصل بمحمود ليخبره بآخر التطورات ولكن هاتفه مغلق من آخر مشادة بينهما .

****************

دخلت غرفتها وهي تناديها :

– يلا يا قلب عمتو عشان ..

لجم لسانها عندما وجدت الغرفة فارغة .. قلقت قليلًا ثم ذهبت إلى الحمام كي تطمئن من وجودها، قرعت أكثر من مرة لا من مجيب .. حسمت أمرها وفتحت الباب لا توجد بالداخل، دب الشك في قلبها وركضت في أنحاء الشقة تبحث في كل الغرف فلم تجدها قط .. أيقنتما كانت تخشاه .

فصاحت بأعلى صوت :

– ألحقني يا أمير سلمى أختفت .. تعالى يابني بسرعة

أنتفض أمير من فراشه بخضة وفزع وهرول على الغرفة مصدر الصوت ليصيح بها بلهفة :

– مش معقول .. ياخربيت جنانك يا سلمى .. إللي خلاها تهرب من هنا كمان !!

نظرت له بحزن وعتاب :

– أكيد سمعتك وأنت بتقول هتكلم يوسف .. صوتك كان عالي .. خافت فعلًا ألا تروح وتعرفهم مكانها بعد ما هربت منهم بصعوبة .. فمشيت من البيت .. يا ترى روحتي فين يا بنتي .. ياعيني عليك يا سلمى وإللي بيعمله فيك أبوكِ .. بعد ما تلاقي الأمان هنا تخليها تخاف وتمشي

صاح أمير بندم وضيق مبررًا :

– وأنا أعرف منين إنها سمعتني من جوا .. العمل دلوقتي ؟ هي ملهاش صحاب تروحلهم ؟

جلست سميحة بقلة حيلة لتقول :

– ملهاش غير نور صاحبتها القريبة منها تعتبر اختها .. بس أستحالة تروحلها ﻹنها أخت خطيبها كمان ولا هتلاقيها عند حد من قرايبنا أنت عارف سلمى

اندهش أمير كثيرًا من هذه المعلومة الجديدة .. طارق خطيبها يكون شقيق أعز صديقة لها !

تنهد وقال بنفاذ صبر :

– طيب يا أمي أنا هتصرف لازم أمشي دلوقتي .. ويوسف لازم يعرف

تمسكت في ذراعه وصاحت بلهفة ورجاء :

– لا يابني عشان خاطري

صاح بغضب مكتوم :

– يعني إيه لا يا أمي لازم اخوها يعرف .. الوضع أختلف دلوقتي خلاص سلمى مشيت من هنا ومش عارفين هنلاقيها فين دلوقتي .. لازم يعرف لازم

تركها وأغلق الباب خلفه بعنف .. جلست تبكي من هذه الصدمة التي لا يمكن أن تخطر على بالها، تشعر بكسرة نفس علة تلك الصغيرة المسكينة .. لا يوجد في يداها أي شيء تفعله كي تنجو من عاصفة أبيها المحتمة غرقها في أي وقت، وما مصير يوسف عندما يعرف أنها كانت عند سميحة وأخفت عليه ذلك ؟! .

*****************

غادر أمير ووصل إلى قسم الشرطة .. جلس على مكتبه وطلب رقم، دقائق وسمع قرع على الباب فدخل الطارق بعدما سمع الأذن بالدخول .

دخل العسكري وضرب التحية ليقول بعدها :

– في بلاغ أتقدم من حوالي ساعتين يا فندم

أعطى له ورق البلاغ في يداه فتناولها أمير بفتور .. أتسعت عيناه وهو يقرأ ثم وجه حديثه للعسكري دون أن يلتفت إليه :

– طيب روح أنت

ألقى التحية وخرج وأغلق الباب خلفه .. تناول أمير هاتفه وأتصل بيوسف فوجد الهاتف مغلق أو غير متاح .

نهض وتماول مفاتيح سيارته وأستقالها وهو يقود سريعا فالحماس والقلق يحيط به بشدة وهو في طريقه إلى وجهته يفكر كيف يبدأ الحديث وكيف يتلقى الخبر ؟.

*****************

وصل أمير إلى فيلا هاشم الجوهرى، خاله الذي أكتشف حقيقته مؤخرًا، لم يعرف إنه بتلك القسوة على أبناءه .. خاصًة سلمى فهي فتاة تحتاج إلى الحب والحنان بعد وفاة والدتها، ولكن كانت النتيجة عكسية تماما فقد أهملها وكسب منصبه وأمواله مقابل بعد أبناءه عنه .. خطة في منتهى الغباء والأنانية .

صعد على السلالم الرخامية ثم ضغط على الجرس ليفتح له الخادم، الذي تفاجئ بالزي الأبيض المريب .

وقف أمامه أمير في ثبات وحزم وقال بجدية :

– أستاذ يوسف موجود ؟

رد الخادم سريعًا :

– آه يا باشا أتفضل والبيه الكبير موجود .. أتفضل

نظر أمير حوله بتعجب على الثراء الفاحش الظاهر في أثاث الفيلا واللوحات الثمينة فلمويتعجب كثيرًا من تصرفات خاله .

بعد لحظات خرج هاشم في فزع وقلق بعدما أخبره الخادم بأن هناك ضابط شرطة بإنتظاره في الخارج، شك بأن الأمر متعلق بأحد من أبناءه خاصًة سلمى .. أحدث لها أي مكروه يا ترى ؟ .

صدم هاشم عندما وجد أمير أمامه، ما الذي آتى به إلى هنا .. هل عرف شيئًا ما مما حدث ؟ هل أخبره يوسف بشيء ؟ .. يا لها من مصيبة سوف ينتشر الخبر بين العائلة إذا أتضح أنه يعرف شيء .

كان أمير يقف بثبات شديد للغاية يراقب رد فعل هاشم عندما رأه، فأرتسم على شفاتيه أبتسامة ساخرة .. حاول هاشم أن يبدو طبيعيًا أمامه فقال :

– أهلًا يا أمير أتفضل

رد أمير بجدية :

– لا ملوش لزوم أنا جي في حاجة وماشي على طول عشان ورايا شغل كتير .. يوسف موجود ؟

تنهد بضيق ثم أصطنع الهدوء ليقول :

– لا للآسف شدينا في الكلام .. مشي من ساعة كده وموبيله مقفول

نظر له أمير وأصطنع عدم المعرفة :

ليه هو حصل حاجة ؟

توتر هاشم وهو يقول :

– لا لا يابني مفيش .. خلافات في الشغل ما أنت عارف يوسف .. كنت عايزه في إيه ؟

ألتفت إليه أمير لبضعة دقائق صمت ثم قال بضيق :

– لا مفيش .. سلام

رحل أمير وركب سيارته وهو يحاول الإتصال به ولكن غير متاح .. طلب رقماً أخر وبدأ الحديث معه بجدية .

أما هاشم لم يكن يشعر بالراحة ولا الإطمئنان من زيارة أمير في هذا الوقت ومن سؤاله عن يوسف .. يشك بأنه عرف شيئًا ما .. فلم يطمئن أيضاً لنظراته ونبرة صوته .

******************

حل المساء ولا تزال جالسة في الحقيقة، الحزن يكسي قلبها ووجهها بشدة، لا تتحدث مع أحد ولا تسمع لأحد .. كرهت أن تكون مسالمة بهذا الشكل ولا تتدخل في أعمال زوجها .. ولكن الوضع مختلف الآن فهو ليس عملاً عادياً بس الأمر يخص أبناءها ولا تريد خسارتهم كما خسروا أبناء الجوهري والدتهم .. لذا قررت لن تظل مكتوفة اليدين بعد الآن، فقط تنتظر قدم محمود والأهم من ذلك نور .. التي لا تعرف إلى أين ذهبت وماذا تفعل الآن .

أنتفضت عند سماع بوق السيارة في الخارج فظنت إنها نور، نهضت وسارت بخطوات سريعة أشبه بالركض إلى الباب الداخلي للبهو .. كاد الخادم أن يقوم بفتح الباب ألا أنها سبقته بلهفة وفتحت هي وقلبها يدق بسرعة عالية بقلق ولهفة .. فتح الباب وفوجئت بمجمود أمامها، تحولت علامات اللهفة إلى الحزن وخيبة الأمل .. قالت بوجه دون تعابير :

– حمد الله على السلامة

ثم تركته وعادت من حيث آتت .. تعجب محمود في قرار نفسه من تلك المقابلة الباردة لحزينة، فهو غير معتاد منها على ذلك .. فذهب خلفها ليرا ما بها .

دخل الحديقة وجلس بجوارها على الأريكة ينظر لها ويقول:

– في إيه يا تهاني ؟ مش عوايدك مقابلتك دي

لم ترد عليه .. فقط ألتزمت الصمت

تعجب من حالها وصاح بها برفق :

– إيه الحكاية قلقتيني

ردت دون النظر إليه :

– نور لغاية دلوقتي مجتش

قضب حاجبه بتعجب وقال بنوع من الغضب :

– نعم!! يعني إيه مجتش .. اومال راحت فين ؟!

تنهدت بهدوء وقالت سريعًا قبل أن يغضب :

– جات من بدري وريحت شوية .. شدت في الكلام مع طارق وسابت البيت وتليفونها مقفول ولغاية دلوقتي مجتش

تحولت نبرة صوته إلى العلو قليلًا والضيق الشديد :

– إيه التهريج إللي بيحصل ده .. قالها إيه عشان تسيب البيت وازاي ده حصل

رفعت رأسها وألتفت إليه بتردد شديد، تريد الأفصاح بكل ما حدث كي يردع طارق عن تفكيره وتخشى البوح لأنها تعرف جيدًا حالته عندما يغضب .. فحسمت أمرها وقصت له ما حدث.

يستمع لها بغضب شديد ولا يصدق أذناه لما سمعه .. صاح قائلًا :

– هو فين دلوقتي ؟

ردت تهاني بجمود :

– فوق في اوضة نور مخرجش من ساعتها

نهض وقال وهو يتحرك مسرعًا :

– أنا هعرفه شغلي معاه

ركضت خلفه وهي ترجي به أن لا يؤذيه، هذا ما كانت تخشاه بالفعل .

صعد إلى غرفة نور وفتح الباب بقوة شديدة، تفاجئ طارق بوجود والده وأقتحامه الغرفة بهذا الشكل الذي أربك تفكيره، فيبدو على قسماته الغضب الشديد .. وبدون أي مقدمات صاح به في عنف :

– أنت ازاي يا أستاذ يا محترم لسانك سمحلك أنك تقول المهاطرات دي لاختك .. أنت أتجننت .. عارف ده معناه إيه .. أني فشلت في تربيتها وتربيتك عشان تشك فيها وفي أخلاقها وتفكر لمجرد التفكير بالشكل ده .. بتتعطن أختك في شرفها وأخلاقها يا طارق !!

قال الجملة الأخيرة بشىء من التعجب وعدم التصديق ثم أكمل بخيبة أمل :

– أنت خيبت أملي وثقتي فيك .. نعدي بس من الكارثة إللي أحنا فيها الأول وحسابك بعدين

خرج سريعاً وذهب إلى غرفة نومه، نظرت له بعتاب ثم غادرت الغرفة هي الأخرى وذهبت خلف زوجها .

أما هو يقف مكانه في شرود كبير، يشعر بالإختناق الشديد وغضب أشد، يريد أن يخنق الظروف التي وضعته في ذلك الموقف مع أباه، ها هو كاد أن يخسره هو الآخر بسبب ذلة لسان ساعة شيطان كما يقال .

يشعر بأن كل شيء من حوله قد تدمر وإنهار، يخرج من حفرة يقع بأخرى ولا يوجد مسافة بينهما للراحة على الأقل ولا يوجد مخرج أو مهرب حتى .

*******************

دخلت تهاني غرفة نومها وجدت محمود يجلس على الفراش واضعًا رأسه بين طيات كفاه شاردًا في حزن وغضب شديد، يشعر بأن هناك لعنة كبيرة حلت على الجميع .. الصغير قبل الكبير، لقد خرج الأمر عن سيطرته الآن ولا يوجد مخرج على الإطلاق هكذا يرى .

إقتربت منه وجلست بجواره وهي تربت على منكبه في حنان وهدوء وهي تقول :

– وإيه العمل يا محمود .. الولاد بيضيعوا مننا واحد ورا التاني واحنا مش عارفين نعمل حاجة

رفع رأسه وتطبع إليها وهو يصيح بغضب :

– أنا مش فاهم إللي جراله .. ده عمره ما كان كده أبدًا .. ده لا يمكن يكون طارق لبني إللي ربيته لا يمكن

تنهدت تهاني وقالت بحزن :

– لعنة وصابت الكل .. مسابتش حد سليم .. كله من هاشم

أردف محمود في ندم :

– أنا إللي غلطان إني واففت على الصفقة دي .. قلبي مكنش مستريحلها من الأول بس قعد يقنعني فيها لغاية ما وافقت .. بس في حاجة غلط أنا متأكد من كده كويس أوي

مسحت تهاني دموعها لتقول :

– والعمل دلوقتي ؟

تنهد محمود بقوة ثم قال بهدوء :

– العمل عمل ربنا .. نلاقي سلمى الأول ضحية السلطة والنفوذ وهنشوف نعمل إيه .. (تناول هاتفه وتابع) أما شوف نور فين لغاية دلوقتي

*********************

منذ خروجها من المنزل وهي تتسكع بسيارتها دون هدف، والدمع يسيل من مقلتيها لا تعرف ماذا تفعل الآن حتى حل المساء .. من كان يحنو عليها ويستمع إليها لم تعد موجودة بعد فماذا تفعل ؟! .. أنحرفت عن طريقها وذهبت إلى المكان الذي طالما تجد الراحة فيه، أو بمثابة ورشة عمل لها ولسلمى أثناء الدراسة .. فهو عبارة عن معرض صغير يعرض فيه اللوحات الفنية والتحف وبه ركن صغير كافتريا للمكان .

جلست نور في إحدى اللأركان ومنذ أن آتت وهي تجلس ترسم وعيناها لم تتوقف عن الزرف .. فجاسر من كان يراقبها، يجلس بجوارها وعيناه لم تزيل عنها ويتأملها، لا يريد سؤالها ويعتبر تطفلًا منه عليها .. يتركها وشأنها أن أرادت التحدث سوف تفعل .. قطعت نور الصمت وقال بصوت جامد دون الألتفات إليه :

– هتفضل متنحلي كده كتير

تفاجئ جاسر وشعر بالإحراج الشديد، فلم يكن يتوقع بانها تلاحظه وهي متمعنة في عملها .. فتنحنح في حرج وهو يقول :

– لا أبداً .. أصل من ساعة ما جيتي وأنتِ ساكتة مبتكلميش خالص .. فمش حابب أضغط عليكِ

تنهدت براحة ثم قالت بهدوء غريب يشوبه بعض الجمود :

– أنا كويسة يا جاسر .. متقلقش

أردف بصوت حنون :

– لا واضح أن في حاجة مضيقاكِ .. مالك يا نور ؟

زفرت بضيق وهي تقول بجمود شديد :

– لو سمحت انا مش قادرة أتكلم نهائي .. عن أذنك

لملمت أدواتها وتناولت حقيبتها ورحلت على الفور ..

وقف وهو يشعر بأنه بدلا من التخفيف عنها قليلًا فقد زاد الطين بلة وجعلها ترحل وهي تشعر بالضيق منه .

****************

وصلت المنزل وهي في حالة ميئوس منها على الإطلاق، دخلت ووجدت حالة من الصمت الشديدة تعم على المكان، حمدت الله على ذلك لأنها ليس لديها القدرة على النقاش بعد الآن .

بالطبع لم يناما تهاني ومحمود، فهم بأنتظار عودة نور .. إلى أن سمعوا قرع على الباب فقام محمود على الفور ليفتح .. ليجد أمامه الخادم الذي أوصاله عند عودة نور يقوم بأخباره .. فقال بهدوء :

– آنسة نور وصلت يا بيه

رد محمود بهدوء :

– طيب روح نام أنت

أنصرف الخادم بهدوء ثم عاد إلى الداخل .. نظر لتهاني وقال بهدوء :

– أدخُليلها أنتِ

تنهدت بحزن وهي تنهض من الفراش ولا تعرف ماذا تقول لها أو بأي شكل تهون عليها .

قرعت على باب غرفتها أكثر من مرة فلم تجد رد على الإطلاق .. حسمت أمرها وفتحت الباب، ظلت مكانها قرابة دقيقتان تنادي عليها ولم تجيب نور .. وضعت تهاني يدها على مكبس الضوء وكادت أن تشعله صاحت بها نور بضيق وقالت :

– متولعيش النور

أدركت بأنها في حالة مزرية وبداية غضب إذا تمادت في الحوار .. فقالت تلطفًا :

– حمد لله على السلامة يا حبيبتي .. أحضرلك العشا ؟

ردت نور بضيق وجفاء :

– الله يسلمك .. لا مش عايزة أكل ومن فضلك يا أمي أنا مفياش دماغ أتكلم دلوقتي .. ممكن ؟

تنهدت بحزن وحيرة وقالت بهدوء :

– ماشي يا نور .. تصبحي على خير

ردت نور سريعًا بنفس النبرة :

– وأنتِ من أهله

أغلقت الباب وعادت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها، كان محمود يجلس على الفراش منتظرًا آخر الأخبار، تأكد منها عندما قرأ قسمات وجه زوجته العابسة الحزينة .. جلست بجواره وهي تقول :

– مش طايقة حد أساسًا ولا طايقة تتكلم .. يا حبة عيني مأكلتش من صباحية ربنا ورافضة تاكل أي لقمة

ضرب ساقه بيداه بقوة وغضب وهو يتتمتم :

– كله منك يا طارق ومن لسانك إللي عايز قطعه .. صبرك عليا لما نعدي من الكوارث إللي احنا فيها دي

لم تشعر بالراحة قط عندما ترى عصبية زوجها بهذا الشكل .. ربتت على منكبه وهي تحاول تهدئة روعه برفق :

– هدي نفسك بس يا محمود مش كده .. ضغطك هيعلى

صاح بها بغضب وصوت عالِ :

– يعني مش شايفة عمايل ابنك .. ماشي يا طارق

*******************

خلد الجميع إلى النوم بعد ساعات طويلة من التفكير والقلق فيما حدث .

في صباح اليوم التالي أستيقظ طارق مبكرًا وأغتسل وصلى فرضه وقرر الذهاب مبكرًا قبل أن يستيقظ من في المنزل ويوبخه على ما بدر منه أمس .

فكر كثيراً وتردد على الدخول لنور ولكن لم يستطع على الإطلاق، فليست لديه الجرئة للتحدث معها بعدما قام بجرحها بكلماته القاسية .. فخرج مسرعًا .

أستيقظت نور وظلت في فراشها قرابة ربع ساعة تستعيد وعيها بالكامل وتفكر فيما حدث مع جاسر .. فهي تشعر بأنها تمادت قليلًا بأسلوبها معه وهو لم يخطأ، فقررت عند رؤيته ستقوم بالإعتذار منه .

فكرت في يوسف للحظة ما تريد الإطمئنان عليه وترى إن وصل لشيء أم لا، تناولت هاتفها على الكومود وكادت أن تتصل تذكرت إتهام طارق لها، فتغيرت معالم وجهها للعبوث وألقت الهاتف بجانبها وقررت عدم الإتصال به حتى لا تدخل في مشاكل لا حصر لها يكفي ما حدث بالأمس .

ولكن لا يوجد طريقة أخرى لمعرفة أخر الأخبار عن سلمى إلا عن طريقه .. تنهدت بعد تفكير طويل وتناولت هاتفها وقامت بالإتصال به فوجدت الهاتف مغلق أو غير متاح فزفرت بضيق شديد وأعتدلت جلستها وهي تفكر ماذا تفعل .

إلى أن جال لخاطرها فكرة، فقامت بحمل الحاسوب المحمول على ساقيها وبدأت تبحث عن الفنادق الموجودة التي يمكن لسلمى الإلتجاء إليها .. إلى أن وصلت لعدة فنادق .. نهضت سريعًا في حماس وعلى محياها بسمة أمل ودخلت الحمام .

******************

أستيقظ أمير مبكرًا كالعادة قبل الذهاب إلى عمله، غالبا ما يتناول الفطور مع سميحة إذا سمح له الوقت أو في المكتب .. منذ ليلة الأمس وبعد إجراء إتصاله لم يصل إلى يوسف بعد .. فقد كلف مخبر بالبحث عنه في كل مكان ﻷحتياجه له بشدة في أمر أختفاء سلمى .

جلست سميحة بجانبه لتقول :

– رجعت أمتى امبارح ؟

رد دون الإلتفات إليها :

– على واحدة كده

تنهدت وقالت بقلق :

– مفيش أخبار عن يوسف ؟

نظر إليها وقال بحيرة :

– من امبارح بدور عليه مش لاقيه .. حتى فونه مغلق .. أنا أبتديت أقلق

ثم أردفت بتوتر وتردد :

– طيب وخالك ؟

ترك الخبز من يداه بإستياء ثم رنا إليها ليقول :

– متجبليش سيرته .. من ساعة إللي حكيتيه وأنا مش متخيل إنه خالي إللي أعرفه .. مكنش طبيعي خالص ومتوتر لما سألته عن يوسف .. شكله شد معاه جامد

تنهدت سميحة بحزن :

– الله يهديه ويرجعله عقله

أنهى أمير طعامه ونهض وهو يردف :

– الحمد لله .. يادوب أروح المكتب وأشوف الحكاية الغريبة إللي وقعنا فيها ولاد اخوكِ دي

*****************

ذهب محمود إلى الشركة بعدما تناول شطيرة صغيرة رغم عنه بعد إلحاح شديد من تهاني .. وبعد ساعة نزلت نور بعدما أغتسلت وأبدلت ملابسها إستعدادًا للخروج .

ألقت التحية على تهاني وقبل أن تخرج أوقفتها متسائلة :

– رايحة فين على الصبح كده ؟

اندهشت نور من تساؤلها .. فألتفت إليها وقالت :

– من أمتى بتسأليني يا ماما .. أعتبريني نازلة شغل ولا الكلية

تنهدت تهاني بقلق وقالت :

– أصل حالتك أمبارح مكنتش تسر عدو ولا حبيب .. فعتقدتش بعد إللي حصل أنك تنزلي النهارده

زفرت براحة شديدة وإطمئنان ثم أردفت :

– في مشوار مهم لازم أعمله ومينفعش يتأخر .. عن أذنك

تحركت بضعة خطوات وكادت أن تفتح الباب أوقفها صوت تهاني مرة أخرى :

مش هتقوليلي كنت فين امبارح ؟

ردت دون النظر إليها بضيق :

– بعدين .. لما أرجع يا ماما

خرجت سريعًا قبل أن تدخل في دائرة المناقشات .. أستقلت سيارتها وقادت بشرود بالأمس .. تناولت هاتفها وقامت بالإتصال برقم إلى أن أتاها الرد :

– ألو .. صباح الخير

الصوت من الجهة الأخرى :

– صباح النور .. أخبارك يا نور النهارده .. يا رب تكوني بخير

تنهد ثم أردفت بهدوء :

– الحمد لله أحسن .. أنا بعتذر جدًا عن الطريقة البايخة إللي كلمتك بيها امبارح .. كنت مخنوقة وجات فيك .. محبتش تكون زعلان مني من غير قصد

رد سريعًا حتى لا تشعر بالذنب :

– لا لا أبداً مفيش حاجة .. أنا كنت مقدر حالتك .. عمومًا حصل خير ثم أنا مبزعلش منك يا نور

إبتسمت براحة ثم قالت :

– طيب الحمد لله .. شكرًا يا جاسر على تقدير .. مع السلامة

أغلقت معه المكالمة وهي تشعر بالراحة الشديدة، هكذا أرضت ضميرها، لم تكن تريد أن يظل يحمل في قلبه أو عقله أي شيء منها في لحظة غضب .. هكذا أفضل بقيامها باﻹتصال به .. تنهدت في راحة وأكملت طريقها وهي تحاول الإتصال بيوسف لأخباره بهذه الخطوة .

*****************

حل مساء اليوم ومازال البحث عن يوسف .. عند عودة أمير إلى المنزل .. وجد سميحة مازالت مستيقظة، إقترب منها وجلس بجوارها وقال :

– أنت إللي مسهرك لحد دلوقتي يا أمي ؟

ردت بحزن :

– مجاليش نوم .. بالي مشغول بيوسف يا أمير أوي .. لسة تليفونه مقفول

زفر بضيق وهو يقول :

– ايوة .. معرفش غطسان فين ده كمان .. متعرفيش ممكن يكون فين ؟

ردت بحزن وتفكير :

– لما بتضيق بيه الحال بيروح يزور أمه

أعتدل جلسته في لهفة وإهتمام شديد ثم صاح في دهشة كأن فكرة خطرت على باله :

– إيه ! طنط فريدة !! .. ازاي الفكرة دي تاهت عن بالي ..

يتبع ..

الحلقة الثالثة والعشرون

“لن أغفر لك”

بعد خروج تهاني بدلت ملابسها وعادت نور لوضعها الأول لا تستطيع النوم من شدة تفكيرها فيما حدث اليوم من مفاجأة وصدمة كبيرة لها، ولا تحسن التفكير حتى .. ما تفكر به في هذه اللحظة هو يوسف .

تمسك الهاتف كل حين تنظر له بلهفة وترقب كأنها تنتظر أن يتصل بها ولكن لن يفعل، فلما يهاتفها وهو بهذه الحالة وكل تفكيره منصب على شقيقته المفقودة !! أو حتى تقوم هي بالإتصال به كي تطمئن عليه ..

تفكر بتردد شديد تريد الإتصال عليه ولكن في كل محاولة تتراجع سريعًا عن قرارها، ولكن ماذا يفعل الآن يا ترى بماذا يفكر وإلى أين ذهب ؟ .. لم تكن تريد تركه وشأنه وهو في هذه الحالة ..

ولكن يجب أن لا تزيد الثقل عليه فيكفي ما به من هموم، لا يجب أن تبالغ بإهتمامها أكثر من اللازم وكأنها منصبة عليه هكذا .. فكرامتها أهم من كل شيء لن تتصل به .. إذا كان يريدها سيقوم بالإتصال بها .. فلن تفعل ذلك، هكذا كان قرارها الأخير .

ألا أنها متعجبة من أمرها حقًا ولا تعرف ماذا أصابها، .. وﻷول مرة تهتم بشخص غريب بهذا الشكل، فهي تشعر بأن هذه الفترة بداية من دخول سلمى للمشفى بإقترابها منه وإقترابه منها، وكل يوم يزداد إقترابهما من بعضهم البعض .. حتى الألقاب بينهم شبه منعدمة تمامًا .. فهي على ثقة كبيرة وتامة بأن يوسف يشعر بما تشعر به تمامًا .. حديثه ونظراته وطريقة تعامله معها أختلفت تمامًا عما كان يعاملها من قبل، وأيضًا هي كانت تخجل منه بشدة وأن تنظر في عيناه ومن كلماته الرقيقة التي تشعرها بالخجل .. ولا تزال على نفس الوضع بإختلاف أعتيادها على الحديث معه، فزال التوتر والإحراج في تعاملها معه قليلاً .. فالأحداث الأخيرة جعلتها يقتربا من بعض كثيرا، نظراً أن كلاهما على نفس القارب، والحالة التي يمر بها يحتاج من يهون عليه قليلًا .. ولكن لا .. يجب أن تتوقف يجب أن يعود كل شيء لما كان بعد المرور بسلام من هذا الكابوس .

حاولت بقدر من اﻹمكان أن تزيله من تفكيرها فأغمضت عيناها وحاولت أن تنام .

*****************

بعد أن ترك إيهاب وهو يتسكع بسيارته بلا هدف، يفكر في الأحداث المتداخلة التي حدثت له منذ بداية معرفته بسلمى حتى الآن، أحداث غريبة متتداخلة ومشاكل كأن أصعب من يتخذ قرارها في وقت ضيق للغاية .. وأصبح مجبر على الزواج منها ولا يعرف أن كان يحبها أم يحب سارة، التي في الآونة الأخيرة لا تبدو كسارة خطيبته التي يعرفها منذ سنوات على الإطلاق، يوجد متغيرات لا تفسير لها حتى الآن ولكن الأكيد بأن كل شيء سوف يكشف ستاره عما قريب .. فقرر لن يتحدث معها إلا عندما تفسر له عن سر معرفتها بهروب سلمى .

قرر الصعود بسرعة قبل أن تراه تهاني وتقوم بأستجوابه وهو لا طاقة له للحديث في هذا الموضوع ولا تحمل نقاشات ومجادلات، لأنه بكل بساطة لا يوجد لديه إجابة على الإطلاق فهو بضغط نفسي وعصبي شديد ويمكن أن ينفجر في أي لحظة في أي شخص أي كان من هو بسبب سلمى، فهو يرى بأنها السبب فيما وصلوا إليه من تعقيدات بسبب الصفقة التي سوف تحدث لهم .

صعد إلى غرفته فخطر على باله شقيقته نور، من المؤكد أنها عادت إلى المنزل بعد هذا اليوم المشئوم ..

قرع على الباب ثم دخل بعدما سمع الأذن بالدخول .. وجد نور ممدة على الفراش مغمضة العينين بسكينة تامة، واضعة ذراعها حول عيناها والذراع الآخر مفرود على الفراش بأريحة تامة مع ثني أحد ساقيها .. إنه يعرف تلك الوضعية جيدًا، ما هي إلا تنم على الإرهاق الشديد .. وعلى رغم ذلك يريد الحديث معها .. فقطع الصمت وهو يجلس على طرف الفراش قائلًا بنبرة جادة نوعًا ما :

– نور .. قومي عايزة أتكلم معاكِ شوية

ردت وهي على نفس الوضع بشيء من الضيق :

– بعدين يا طارق مفيش طاقة للكلام

صاح بها بضيق لأول مرة يتحدث معها بهذا الأسلوب :

– لا مفيش حاجة أسمها بعدين نتكلم دلوقتي يلا

أعتدلت جلستها بأنزعاج وغضب شديد وصاحت به بعنف :

– إيه في إيه .. بتزعقلي كده ليه .. هو أنا إللي هربتها مثلًا عشان تطلع عصبيتك عليا .. قولتلك مفيش طاقة للكلام يا طارق مش قادرة أتكلم .. خلاص فرهدت يا أخي .. بعدين

كأنه لم يستمع إليها فأردف :

– سلمى فين يا نور ؟

أتسعت عيناها لم تصدق الحالة التي وصل إليها .. فقالت بتعجب :

– نعم يا طارق ! أنت بتستهبل مش كده ؟! أو بتستعبط أيهما أقرب .. وأنا اشعرفني راحت فين أنا زيي زيك .. ثم أنا إللي أكتشفت الموضوع هخبيها يعني!!

صاح بها بإنفعال ونبرة أتهام :

– لا يا نور أنتوا صحاب ومبتخبيش عليكِ حاجة .. مش يمكن دي لعبة بينكوا عشان الجوازة متمش ؟

زفرت نور بغضب ثم قالت :

– لا حول ولا قوة إلا بالله .. سلمى الفترة الأخيرة وهي متغيرة ومبتحكليش حاجة .. ولو زي ما بتقول متفقة مع سلمى بالعقل كده أكون مساعداها واجي أبلغوا واجمعموا مكنتش جيت أنا ويوسف الإجتماع على الأقل فلتنا منه ومقولناش تعالوا شوفوا حل في المصيبة دي

عقد ذراعه وصاح بها بضيق وإتهام :

– ايوووووة تعالي هنا بقى كنت فين وبتعملي إيه مع يوسف .. إللى بينك وبينه ؟!

أتسعت عيناها بشدة وصدمة لم تصدق ما تفوه به اخيها الآن .. إنه يشك بها وتفكيره وصل إليه لهذه الدرجة .. لم تستوعب بأنه سيأتي اليوم ويتهمها بهذا ولا يوجد شيء بينهم من الأساس .. فنهضت بعنف وجلست قباله تصيح به في غضب شديد :

– نعم إللي بتقوله ده ! .. أنت أتجننت ولا بتستعبط يا طارق أنت بتشك فيا ؟! .. بتتهمني إني على علاقة بيوسف ؟!! .. دي أخرتها! .. الظاهر أنك مش طبيعي وإللي حصل أثر على دماغك وعقلك يا أستاذ ولا مستوعب أنت بتقول إيه أصلًا .. مش هسامحك على إللي قولته في حقي يا طارق وخليك فاكره كويس .. اخص عليك بجد .. آخر حاجة ممكن أتصورها منك أنك تشك في أخلاقي ..

لكن قبل ما تعاتبني عاتب نفسك شوف إللي وصلك للمرحلة دي مع سلمى عشان توصل بيها الدرجة وتهرب .. يا خسارة يا طارق يا ألف خسارة

نظرت له بإشمئزاز وحزن وكسرة نفس وخيبة أمل على ما تشعر به وما تفوه من كلمات جرحت فؤادها، والدموع تجمعت في مقلتيها لازمة كاللؤلؤة .. تركته وحده وغادرت الغرفة سريعًا بخطوات أشبه بالركض .

تناول هاتفه وقام الأتصال بيوسف، عندما سمع صوت من الجهة الأخرى صاح به في عنف شديد :

– أسمع يا يوسف أبعد عن نور أحسنلك وإياك تكلمها أو تقربلها .. كفاية مش هيبقى أنت واختك المجنونة إللي منعرفلهاش طريق وسبب في المشاكل إللي وصلنالها بعملتها السودة دي

أغلق المكالمة على الفور دون أنتظار رد منه، وألتفت نحو الباب وجد تهاني واقفة والدمع في مقلتيها تنظر له بخيبة أمل وحزن وغضب شديد، عاقدة ذراعها .. فقد سمعت كل شيء بداية من مشاداته مع نور حتى المكالمة .

عندما أخبرها الخادم بوصول طارق صعدت كي تطمئن عليه وفي طريقها لغرفته سمعت صوته في غرفة نور والمشادة بينهم .

نظرات تهاني له كانت قاتلة مميتة .. صاحت به عنف :

– ممكن أفهم تفسير الهبل إللي سمعته ده ؟! .. هي حصلت يا طارق تشك في اختك !!

رد مبررًا وهو يصيح :

– اومال كانت فين كل الفترة دي من ساعة الميتنج وهي أختفت وراه وملهاش حس .. حتى قبل كده نظراتهم بتقول حاجة

لم تستطع التصديق على كلام ابنها .. هل هذا طارق حقا .. لا يمكن أن يكون هو .. فصاحت به في غضب :

– لا أنت الظاهر زي ما قالت أختك إللي حصل لحس عقلك ومش عارف عواقب إللي بتقوله .. وكلامك لحظة غضب هتتحاسب عليه يا طارق .. أختك إللي كبرت معاك وعينك عليها خطوة ورا خطوة وعارف أخلاقها كويس ومش ممكن تعمل حاجة زي دي من ورانا .. تبقى على علاقة بيوسف أزاي إللي بتشوفه صدفة أصلًا في شركة الجوهري وتعاملهم خفيف ؟ اختك مبتخبيش عني حاجة عشان تكون عارف وحكتلي عن طبيعة علاقتها بيوسف زمايل في الشغل وبس .. لما يجي أبوك ليك حساب معاه .. يا خسارة تربيتي فيك يا طارق .. يا ألف خسارة

زفر بضجر شديد .. فقد أختنق حقًا وكاد أن يفقد أعصابه ولكن تماسك وقال بنفاذ صبر :

– أنا آسف يا أمي دماغي مش فيا

صاحت به بإنفعال شديد وقالت بعزم وجدية :

– مش عايزة أسمع منك ولا كلمة، ولا ليك كلام معايا ..آسف دي تقولها لاختك إللي جرحتها وياريتها تداوي وترضى تسامحك .. حسابك مع أبوك لما يرجع

أصبح في غرفته في منتهى العصبية والغضب، كاد أن يخسر شقيقته في لحظة غضب ولا يعرف من أين آتى له هذا الحس .. يمكن أنه كان يتمنى أن تقف بجانبه كما فعلت هي مع يوسف ؟ يشعر بأنها غير متضامنة معه لا يعرف لماذا .

كاد أن يحطم كل شئ أمامه في الغرفة .. جلس في ضيق وهو يفكر كيف يمكنه مصالحة نور وأكتساب ودها مرة أخرى، وتلك السلمى الهاربة رغم صدمته ألا أنه يريد تهشيم رأسها غيظا من تلك الكارثة التي سوف تحل عليهم بسببها .. ألو يعرف سر هروبها .. فكر كثيرا في حديث نور وهو يراجع جميع تصرفاته معها ويبحث عن الخطأ .

مسك هاتفه وحاول الإتصال بها ولكنها لم ترد عليه على الإطلاق .. فلا يمكنه الآن الإتصال بإيهاب وقص ما حدث بينه وبين شقيقته ولا يعرف ماذا يفعل بعد .

بعد مغادرة تهاني الغرفة مسرعة عادت إلى الحديقة والدموع تسيل على وجنتيها في ألم وغضب وحسرة على أبنها وتبديل حاله لهذا الشكل .. لا تعرف ماذا حدث لعائلتها بعد خضوعهم لتلك الصفقة اللعينة التي تسببت لهم بكثير من المشاكل والعقبات هم في غنى عنها .. فيجب ردعه إلى هذا الحد .

تناولت هاتفها وحاولت الإتصال بنور عدة مرات لا محال .. زفرت بغضب وحزن شديد وهي تدعو الله أن تكون ابنتها سالمة وبخير .

*******************

بعد خروجه من الفيلا يقود بسيارته بلا هدف، لا يعرف إلى أين يؤول .. شعوره بالأختناق الشديد زاد أكثر بعد مكالمة طارق له، لم يتوقع أبدا أن يصدر منه هذا الفعل من طارق، هل يشعر حقًا بأن هناك شيئًا غريب بينه وبين نور ولما ؟.. هل هذه حقيقة هو يراها بالفعل أم هي مجرد توهم لديه ؟ .

جرح كثيراً من أسلوبه ونبرة صوته، سيحرمه من الإنسانة التي وقف سندًا له في عز محنته، من كانت تهون عليه وتجذبه نحو النور .. من أخرجته من ظلمته وزالت الحزن من قلبه ولو قليل في وقت كان وحيداً ووالده كل ما يشغله الصفقة والمال .. ضاع أمله في الحياة ولم يجد من يشكي له عما بداخله، فقد رحلت سلمى هي الأخرى ولكن بشكل مؤقت ولا يعرف أين هي الآن .. شعوره بالعجز أكبر من أي شيء كأنه مكتوف اليدين، لا يوجد مكان لم يبحث فيه ..

تنهد بحيرة ولا يعرف ماذا يفعل الآن حقًا، لا مكان له ليذهب إليه وهو في هذه الحالة ليشكي له ما به .. شرد قليلاً ثم أتسعت عيناه عندما تذكر شيء هام .

أنحرف بسيارته وغاير طريق سيرة وهو يقود بسرعة عالية في سبيل وجهته .. وهو يعلم جيدًا إنه سيكون نوعا ما أفضل عندما يصل ويفصح عما بداخله بكل حرية .. وإن شاء يبكي لبكى .

****************

بعد ذهاب يوسف من الفيلا جلس هاشم مكانه يفكر في حديث ابنه الذي لم يحرك به شعرة إلا في الدقائق التي عاتبه بها .. عاد مرة أخرى إلى تفكيره في تلك الصفقة اللعينة وماذا سوف يفعل إذا تأخر في زواج ابنته .

نزل إلى مكتبه وفتح الحاسوب الخاص به وأخذ يعمل عليه قليلًا إلى أن جاءه رسالة هامة للغاية .

تلك الشركة تستفسر أو تتأكد عن موعد زفاف سلمى وطارق ولا يعرف ماذا يقول .

أيقول أن ابنته هربت ولا يوجد زفاف ؟! ولكن كيف فتلك الصفقة بمثابة كل شيء له .. لا أحد يعرف حتى الآن ما تأثير تلك الصفقة على تفكيره بهذه الحالة ولما هي بالتحديد .. لا يستطيع أن يقول لهم الحقيقة .

دقائق وتم أرسال رسالة أخرى أن لم يتم الزواج اليوم وبأسرع وقت سيتم تزويج سلمى منهم وهو يرفض هذا الأمر بشدة .. لا يوجد حل إلا وأن يتحجج بمرض ابنته حتى يستطيع إيجادها في هذه الفترة .. وبالفعل أرسل لهم فاكس بذلك وهو يخشى وترقب النتيجة بفارغ الصبر .

بعد ذلك تناول هاتفه وأتصل بمحمود ليخبره بآخر التطورات ولكن هاتفه مغلق من آخر مشادة بينهما .

****************

دخلت غرفتها وهي تناديها :

– يلا يا قلب عمتو عشان ..

لجم لسانها عندما وجدت الغرفة فارغة .. قلقت قليلًا ثم ذهبت إلى الحمام كي تطمئن من وجودها، قرعت أكثر من مرة لا من مجيب .. حسمت أمرها وفتحت الباب لا توجد بالداخل، دب الشك في قلبها وركضت في أنحاء الشقة تبحث في كل الغرف فلم تجدها قط .. أيقنتما كانت تخشاه .

فصاحت بأعلى صوت :

– ألحقني يا أمير سلمى أختفت .. تعالى يابني بسرعة

أنتفض أمير من فراشه بخضة وفزع وهرول على الغرفة مصدر الصوت ليصيح بها بلهفة :

– مش معقول .. ياخربيت جنانك يا سلمى .. إللي خلاها تهرب من هنا كمان !!

نظرت له بحزن وعتاب :

– أكيد سمعتك وأنت بتقول هتكلم يوسف .. صوتك كان عالي .. خافت فعلًا ألا تروح وتعرفهم مكانها بعد ما هربت منهم بصعوبة .. فمشيت من البيت .. يا ترى روحتي فين يا بنتي .. ياعيني عليك يا سلمى وإللي بيعمله فيك أبوكِ .. بعد ما تلاقي الأمان هنا تخليها تخاف وتمشي

صاح أمير بندم وضيق مبررًا :

– وأنا أعرف منين إنها سمعتني من جوا .. العمل دلوقتي ؟ هي ملهاش صحاب تروحلهم ؟

جلست سميحة بقلة حيلة لتقول :

– ملهاش غير نور صاحبتها القريبة منها تعتبر اختها .. بس أستحالة تروحلها ﻹنها أخت خطيبها كمان ولا هتلاقيها عند حد من قرايبنا أنت عارف سلمى

اندهش أمير كثيرًا من هذه المعلومة الجديدة .. طارق خطيبها يكون شقيق أعز صديقة لها !

تنهد وقال بنفاذ صبر :

– طيب يا أمي أنا هتصرف لازم أمشي دلوقتي .. ويوسف لازم يعرف

تمسكت في ذراعه وصاحت بلهفة ورجاء :

– لا يابني عشان خاطري

صاح بغضب مكتوم :

– يعني إيه لا يا أمي لازم اخوها يعرف .. الوضع أختلف دلوقتي خلاص سلمى مشيت من هنا ومش عارفين هنلاقيها فين دلوقتي .. لازم يعرف لازم

تركها وأغلق الباب خلفه بعنف .. جلست تبكي من هذه الصدمة التي لا يمكن أن تخطر على بالها، تشعر بكسرة نفس علة تلك الصغيرة المسكينة .. لا يوجد في يداها أي شيء تفعله كي تنجو من عاصفة أبيها المحتمة غرقها في أي وقت، وما مصير يوسف عندما يعرف أنها كانت عند سميحة وأخفت عليه ذلك ؟! .

*****************

غادر أمير ووصل إلى قسم الشرطة .. جلس على مكتبه وطلب رقم، دقائق وسمع قرع على الباب فدخل الطارق بعدما سمع الأذن بالدخول .

دخل العسكري وضرب التحية ليقول بعدها :

– في بلاغ أتقدم من حوالي ساعتين يا فندم

أعطى له ورق البلاغ في يداه فتناولها أمير بفتور .. أتسعت عيناه وهو يقرأ ثم وجه حديثه للعسكري دون أن يلتفت إليه :

– طيب روح أنت

ألقى التحية وخرج وأغلق الباب خلفه .. تناول أمير هاتفه وأتصل بيوسف فوجد الهاتف مغلق أو غير متاح .

نهض وتماول مفاتيح سيارته وأستقالها وهو يقود سريعا فالحماس والقلق يحيط به بشدة وهو في طريقه إلى وجهته يفكر كيف يبدأ الحديث وكيف يتلقى الخبر ؟.

*****************

وصل أمير إلى فيلا هاشم الجوهرى، خاله الذي أكتشف حقيقته مؤخرًا، لم يعرف إنه بتلك القسوة على أبناءه .. خاصًة سلمى فهي فتاة تحتاج إلى الحب والحنان بعد وفاة والدتها، ولكن كانت النتيجة عكسية تماما فقد أهملها وكسب منصبه وأمواله مقابل بعد أبناءه عنه .. خطة في منتهى الغباء والأنانية .

صعد على السلالم الرخامية ثم ضغط على الجرس ليفتح له الخادم، الذي تفاجئ بالزي الأبيض المريب .

وقف أمامه أمير في ثبات وحزم وقال بجدية :

– أستاذ يوسف موجود ؟

رد الخادم سريعًا :

– آه يا باشا أتفضل والبيه الكبير موجود .. أتفضل

نظر أمير حوله بتعجب على الثراء الفاحش الظاهر في أثاث الفيلا واللوحات الثمينة فلمويتعجب كثيرًا من تصرفات خاله .

بعد لحظات خرج هاشم في فزع وقلق بعدما أخبره الخادم بأن هناك ضابط شرطة بإنتظاره في الخارج، شك بأن الأمر متعلق بأحد من أبناءه خاصًة سلمى .. أحدث لها أي مكروه يا ترى ؟ .

صدم هاشم عندما وجد أمير أمامه، ما الذي آتى به إلى هنا .. هل عرف شيئًا ما مما حدث ؟ هل أخبره يوسف بشيء ؟ .. يا لها من مصيبة سوف ينتشر الخبر بين العائلة إذا أتضح أنه يعرف شيء .

كان أمير يقف بثبات شديد للغاية يراقب رد فعل هاشم عندما رأه، فأرتسم على شفاتيه أبتسامة ساخرة .. حاول هاشم أن يبدو طبيعيًا أمامه فقال :

– أهلًا يا أمير أتفضل

رد أمير بجدية :

– لا ملوش لزوم أنا جي في حاجة وماشي على طول عشان ورايا شغل كتير .. يوسف موجود ؟

تنهد بضيق ثم أصطنع الهدوء ليقول :

– لا للآسف شدينا في الكلام .. مشي من ساعة كده وموبيله مقفول

نظر له أمير وأصطنع عدم المعرفة :

ليه هو حصل حاجة ؟

توتر هاشم وهو يقول :

– لا لا يابني مفيش .. خلافات في الشغل ما أنت عارف يوسف .. كنت عايزه في إيه ؟

ألتفت إليه أمير لبضعة دقائق صمت ثم قال بضيق :

– لا مفيش .. سلام

رحل أمير وركب سيارته وهو يحاول الإتصال به ولكن غير متاح .. طلب رقماً أخر وبدأ الحديث معه بجدية .

أما هاشم لم يكن يشعر بالراحة ولا الإطمئنان من زيارة أمير في هذا الوقت ومن سؤاله عن يوسف .. يشك بأنه عرف شيئًا ما .. فلم يطمئن أيضاً لنظراته ونبرة صوته .

******************

حل المساء ولا تزال جالسة في الحقيقة، الحزن يكسي قلبها ووجهها بشدة، لا تتحدث مع أحد ولا تسمع لأحد .. كرهت أن تكون مسالمة بهذا الشكل ولا تتدخل في أعمال زوجها .. ولكن الوضع مختلف الآن فهو ليس عملاً عادياً بس الأمر يخص أبناءها ولا تريد خسارتهم كما خسروا أبناء الجوهري والدتهم .. لذا قررت لن تظل مكتوفة اليدين بعد الآن، فقط تنتظر قدم محمود والأهم من ذلك نور .. التي لا تعرف إلى أين ذهبت وماذا تفعل الآن .

أنتفضت عند سماع بوق السيارة في الخارج فظنت إنها نور، نهضت وسارت بخطوات سريعة أشبه بالركض إلى الباب الداخلي للبهو .. كاد الخادم أن يقوم بفتح الباب ألا أنها سبقته بلهفة وفتحت هي وقلبها يدق بسرعة عالية بقلق ولهفة .. فتح الباب وفوجئت بمجمود أمامها، تحولت علامات اللهفة إلى الحزن وخيبة الأمل .. قالت بوجه دون تعابير :

– حمد الله على السلامة

ثم تركته وعادت من حيث آتت .. تعجب محمود في قرار نفسه من تلك المقابلة الباردة لحزينة، فهو غير معتاد منها على ذلك .. فذهب خلفها ليرا ما بها .

دخل الحديقة وجلس بجوارها على الأريكة ينظر لها ويقول:

– في إيه يا تهاني ؟ مش عوايدك مقابلتك دي

لم ترد عليه .. فقط ألتزمت الصمت

تعجب من حالها وصاح بها برفق :

– إيه الحكاية قلقتيني

ردت دون النظر إليه :

– نور لغاية دلوقتي مجتش

قضب حاجبه بتعجب وقال بنوع من الغضب :

– نعم!! يعني إيه مجتش .. اومال راحت فين ؟!

تنهدت بهدوء وقالت سريعًا قبل أن يغضب :

– جات من بدري وريحت شوية .. شدت في الكلام مع طارق وسابت البيت وتليفونها مقفول ولغاية دلوقتي مجتش

تحولت نبرة صوته إلى العلو قليلًا والضيق الشديد :

– إيه التهريج إللي بيحصل ده .. قالها إيه عشان تسيب البيت وازاي ده حصل

رفعت رأسها وألتفت إليه بتردد شديد، تريد الأفصاح بكل ما حدث كي يردع طارق عن تفكيره وتخشى البوح لأنها تعرف جيدًا حالته عندما يغضب .. فحسمت أمرها وقصت له ما حدث.

يستمع لها بغضب شديد ولا يصدق أذناه لما سمعه .. صاح قائلًا :

– هو فين دلوقتي ؟

ردت تهاني بجمود :

– فوق في اوضة نور مخرجش من ساعتها

نهض وقال وهو يتحرك مسرعًا :

– أنا هعرفه شغلي معاه

ركضت خلفه وهي ترجي به أن لا يؤذيه، هذا ما كانت تخشاه بالفعل .

صعد إلى غرفة نور وفتح الباب بقوة شديدة، تفاجئ طارق بوجود والده وأقتحامه الغرفة بهذا الشكل الذي أربك تفكيره، فيبدو على قسماته الغضب الشديد .. وبدون أي مقدمات صاح به في عنف :

– أنت ازاي يا أستاذ يا محترم لسانك سمحلك أنك تقول المهاطرات دي لاختك .. أنت أتجننت .. عارف ده معناه إيه .. أني فشلت في تربيتها وتربيتك عشان تشك فيها وفي أخلاقها وتفكر لمجرد التفكير بالشكل ده .. بتتعطن أختك في شرفها وأخلاقها يا طارق !!

قال الجملة الأخيرة بشىء من التعجب وعدم التصديق ثم أكمل بخيبة أمل :

– أنت خيبت أملي وثقتي فيك .. نعدي بس من الكارثة إللي أحنا فيها الأول وحسابك بعدين

خرج سريعاً وذهب إلى غرفة نومه، نظرت له بعتاب ثم غادرت الغرفة هي الأخرى وذهبت خلف زوجها .

أما هو يقف مكانه في شرود كبير، يشعر بالإختناق الشديد وغضب أشد، يريد أن يخنق الظروف التي وضعته في ذلك الموقف مع أباه، ها هو كاد أن يخسره هو الآخر بسبب ذلة لسان ساعة شيطان كما يقال .

يشعر بأن كل شيء من حوله قد تدمر وإنهار، يخرج من حفرة يقع بأخرى ولا يوجد مسافة بينهما للراحة على الأقل ولا يوجد مخرج أو مهرب حتى .

*******************

دخلت تهاني غرفة نومها وجدت محمود يجلس على الفراش واضعًا رأسه بين طيات كفاه شاردًا في حزن وغضب شديد، يشعر بأن هناك لعنة كبيرة حلت على الجميع .. الصغير قبل الكبير، لقد خرج الأمر عن سيطرته الآن ولا يوجد مخرج على الإطلاق هكذا يرى .

إقتربت منه وجلست بجواره وهي تربت على منكبه في حنان وهدوء وهي تقول :

– وإيه العمل يا محمود .. الولاد بيضيعوا مننا واحد ورا التاني واحنا مش عارفين نعمل حاجة

رفع رأسه وتطبع إليها وهو يصيح بغضب :

– أنا مش فاهم إللي جراله .. ده عمره ما كان كده أبدًا .. ده لا يمكن يكون طارق لبني إللي ربيته لا يمكن

تنهدت تهاني وقالت بحزن :

– لعنة وصابت الكل .. مسابتش حد سليم .. كله من هاشم

أردف محمود في ندم :

– أنا إللي غلطان إني واففت على الصفقة دي .. قلبي مكنش مستريحلها من الأول بس قعد يقنعني فيها لغاية ما وافقت .. بس في حاجة غلط أنا متأكد من كده كويس أوي

مسحت تهاني دموعها لتقول :

– والعمل دلوقتي ؟

تنهد محمود بقوة ثم قال بهدوء :

– العمل عمل ربنا .. نلاقي سلمى الأول ضحية السلطة والنفوذ وهنشوف نعمل إيه .. (تناول هاتفه وتابع) أما شوف نور فين لغاية دلوقتي

*********************

منذ خروجها من المنزل وهي تتسكع بسيارتها دون هدف، والدمع يسيل من مقلتيها لا تعرف ماذا تفعل الآن حتى حل المساء .. من كان يحنو عليها ويستمع إليها لم تعد موجودة بعد فماذا تفعل ؟! .. أنحرفت عن طريقها وذهبت إلى المكان الذي طالما تجد الراحة فيه، أو بمثابة ورشة عمل لها ولسلمى أثناء الدراسة .. فهو عبارة عن معرض صغير يعرض فيه اللوحات الفنية والتحف وبه ركن صغير كافتريا للمكان .

جلست نور في إحدى اللأركان ومنذ أن آتت وهي تجلس ترسم وعيناها لم تتوقف عن الزرف .. فجاسر من كان يراقبها، يجلس بجوارها وعيناه لم تزيل عنها ويتأملها، لا يريد سؤالها ويعتبر تطفلًا منه عليها .. يتركها وشأنها أن أرادت التحدث سوف تفعل .. قطعت نور الصمت وقال بصوت جامد دون الألتفات إليه :

– هتفضل متنحلي كده كتير

تفاجئ جاسر وشعر بالإحراج الشديد، فلم يكن يتوقع بانها تلاحظه وهي متمعنة في عملها .. فتنحنح في حرج وهو يقول :

– لا أبداً .. أصل من ساعة ما جيتي وأنتِ ساكتة مبتكلميش خالص .. فمش حابب أضغط عليكِ

تنهدت براحة ثم قالت بهدوء غريب يشوبه بعض الجمود :

– أنا كويسة يا جاسر .. متقلقش

أردف بصوت حنون :

– لا واضح أن في حاجة مضيقاكِ .. مالك يا نور ؟

زفرت بضيق وهي تقول بجمود شديد :

– لو سمحت انا مش قادرة أتكلم نهائي .. عن أذنك

لملمت أدواتها وتناولت حقيبتها ورحلت على الفور ..

وقف وهو يشعر بأنه بدلا من التخفيف عنها قليلًا فقد زاد الطين بلة وجعلها ترحل وهي تشعر بالضيق منه .

****************

وصلت المنزل وهي في حالة ميئوس منها على الإطلاق، دخلت ووجدت حالة من الصمت الشديدة تعم على المكان، حمدت الله على ذلك لأنها ليس لديها القدرة على النقاش بعد الآن .

بالطبع لم يناما تهاني ومحمود، فهم بأنتظار عودة نور .. إلى أن سمعوا قرع على الباب فقام محمود على الفور ليفتح .. ليجد أمامه الخادم الذي أوصاله عند عودة نور يقوم بأخباره .. فقال بهدوء :

– آنسة نور وصلت يا بيه

رد محمود بهدوء :

– طيب روح نام أنت

أنصرف الخادم بهدوء ثم عاد إلى الداخل .. نظر لتهاني وقال بهدوء :

– أدخُليلها أنتِ

تنهدت بحزن وهي تنهض من الفراش ولا تعرف ماذا تقول لها أو بأي شكل تهون عليها .

قرعت على باب غرفتها أكثر من مرة فلم تجد رد على الإطلاق .. حسمت أمرها وفتحت الباب، ظلت مكانها قرابة دقيقتان تنادي عليها ولم تجيب نور .. وضعت تهاني يدها على مكبس الضوء وكادت أن تشعله صاحت بها نور بضيق وقالت :

– متولعيش النور

أدركت بأنها في حالة مزرية وبداية غضب إذا تمادت في الحوار .. فقالت تلطفًا :

– حمد لله على السلامة يا حبيبتي .. أحضرلك العشا ؟

ردت نور بضيق وجفاء :

– الله يسلمك .. لا مش عايزة أكل ومن فضلك يا أمي أنا مفياش دماغ أتكلم دلوقتي .. ممكن ؟

تنهدت بحزن وحيرة وقالت بهدوء :

– ماشي يا نور .. تصبحي على خير

ردت نور سريعًا بنفس النبرة :

– وأنتِ من أهله

أغلقت الباب وعادت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها، كان محمود يجلس على الفراش منتظرًا آخر الأخبار، تأكد منها عندما قرأ قسمات وجه زوجته العابسة الحزينة .. جلست بجواره وهي تقول :

– مش طايقة حد أساسًا ولا طايقة تتكلم .. يا حبة عيني مأكلتش من صباحية ربنا ورافضة تاكل أي لقمة

ضرب ساقه بيداه بقوة وغضب وهو يتتمتم :

– كله منك يا طارق ومن لسانك إللي عايز قطعه .. صبرك عليا لما نعدي من الكوارث إللي احنا فيها دي

لم تشعر بالراحة قط عندما ترى عصبية زوجها بهذا الشكل .. ربتت على منكبه وهي تحاول تهدئة روعه برفق :

– هدي نفسك بس يا محمود مش كده .. ضغطك هيعلى

صاح بها بغضب وصوت عالِ :

– يعني مش شايفة عمايل ابنك .. ماشي يا طارق

*******************

خلد الجميع إلى النوم بعد ساعات طويلة من التفكير والقلق فيما حدث .

في صباح اليوم التالي أستيقظ طارق مبكرًا وأغتسل وصلى فرضه وقرر الذهاب مبكرًا قبل أن يستيقظ من في المنزل ويوبخه على ما بدر منه أمس .

فكر كثيراً وتردد على الدخول لنور ولكن لم يستطع على الإطلاق، فليست لديه الجرئة للتحدث معها بعدما قام بجرحها بكلماته القاسية .. فخرج مسرعًا .

أستيقظت نور وظلت في فراشها قرابة ربع ساعة تستعيد وعيها بالكامل وتفكر فيما حدث مع جاسر .. فهي تشعر بأنها تمادت قليلًا بأسلوبها معه وهو لم يخطأ، فقررت عند رؤيته ستقوم بالإعتذار منه .

فكرت في يوسف للحظة ما تريد الإطمئنان عليه وترى إن وصل لشيء أم لا، تناولت هاتفها على الكومود وكادت أن تتصل تذكرت إتهام طارق لها، فتغيرت معالم وجهها للعبوث وألقت الهاتف بجانبها وقررت عدم الإتصال به حتى لا تدخل في مشاكل لا حصر لها يكفي ما حدث بالأمس .

ولكن لا يوجد طريقة أخرى لمعرفة أخر الأخبار عن سلمى إلا عن طريقه .. تنهدت بعد تفكير طويل وتناولت هاتفها وقامت بالإتصال به فوجدت الهاتف مغلق أو غير متاح فزفرت بضيق شديد وأعتدلت جلستها وهي تفكر ماذا تفعل .

إلى أن جال لخاطرها فكرة، فقامت بحمل الحاسوب المحمول على ساقيها وبدأت تبحث عن الفنادق الموجودة التي يمكن لسلمى الإلتجاء إليها .. إلى أن وصلت لعدة فنادق .. نهضت سريعًا في حماس وعلى محياها بسمة أمل ودخلت الحمام .

******************

أستيقظ أمير مبكرًا كالعادة قبل الذهاب إلى عمله، غالبا ما يتناول الفطور مع سميحة إذا سمح له الوقت أو في المكتب .. منذ ليلة الأمس وبعد إجراء إتصاله لم يصل إلى يوسف بعد .. فقد كلف مخبر بالبحث عنه في كل مكان ﻷحتياجه له بشدة في أمر أختفاء سلمى .

جلست سميحة بجانبه لتقول :

– رجعت أمتى امبارح ؟

رد دون الإلتفات إليها :

– على واحدة كده

تنهدت وقالت بقلق :

– مفيش أخبار عن يوسف ؟

نظر إليها وقال بحيرة :

– من امبارح بدور عليه مش لاقيه .. حتى فونه مغلق .. أنا أبتديت أقلق

ثم أردفت بتوتر وتردد :

– طيب وخالك ؟

ترك الخبز من يداه بإستياء ثم رنا إليها ليقول :

– متجبليش سيرته .. من ساعة إللي حكيتيه وأنا مش متخيل إنه خالي إللي أعرفه .. مكنش طبيعي خالص ومتوتر لما سألته عن يوسف .. شكله شد معاه جامد

تنهدت سميحة بحزن :

– الله يهديه ويرجعله عقله

أنهى أمير طعامه ونهض وهو يردف :

– الحمد لله .. يادوب أروح المكتب وأشوف الحكاية الغريبة إللي وقعنا فيها ولاد اخوكِ دي

*****************

ذهب محمود إلى الشركة بعدما تناول شطيرة صغيرة رغم عنه بعد إلحاح شديد من تهاني .. وبعد ساعة نزلت نور بعدما أغتسلت وأبدلت ملابسها إستعدادًا للخروج .

ألقت التحية على تهاني وقبل أن تخرج أوقفتها متسائلة :

– رايحة فين على الصبح كده ؟

اندهشت نور من تساؤلها .. فألتفت إليها وقالت :

– من أمتى بتسأليني يا ماما .. أعتبريني نازلة شغل ولا الكلية

تنهدت تهاني بقلق وقالت :

– أصل حالتك أمبارح مكنتش تسر عدو ولا حبيب .. فعتقدتش بعد إللي حصل أنك تنزلي النهارده

زفرت براحة شديدة وإطمئنان ثم أردفت :

– في مشوار مهم لازم أعمله ومينفعش يتأخر .. عن أذنك

تحركت بضعة خطوات وكادت أن تفتح الباب أوقفها صوت تهاني مرة أخرى :

مش هتقوليلي كنت فين امبارح ؟

ردت دون النظر إليها بضيق :

– بعدين .. لما أرجع يا ماما

خرجت سريعًا قبل أن تدخل في دائرة المناقشات .. أستقلت سيارتها وقادت بشرود بالأمس .. تناولت هاتفها وقامت بالإتصال برقم إلى أن أتاها الرد :

– ألو .. صباح الخير

الصوت من الجهة الأخرى :

– صباح النور .. أخبارك يا نور النهارده .. يا رب تكوني بخير

تنهد ثم أردفت بهدوء :

– الحمد لله أحسن .. أنا بعتذر جدًا عن الطريقة البايخة إللي كلمتك بيها امبارح .. كنت مخنوقة وجات فيك .. محبتش تكون زعلان مني من غير قصد

رد سريعًا حتى لا تشعر بالذنب :

– لا لا أبداً مفيش حاجة .. أنا كنت مقدر حالتك .. عمومًا حصل خير ثم أنا مبزعلش منك يا نور

إبتسمت براحة ثم قالت :

– طيب الحمد لله .. شكرًا يا جاسر على تقدير .. مع السلامة

أغلقت معه المكالمة وهي تشعر بالراحة الشديدة، هكذا أرضت ضميرها، لم تكن تريد أن يظل يحمل في قلبه أو عقله أي شيء منها في لحظة غضب .. هكذا أفضل بقيامها باﻹتصال به .. تنهدت في راحة وأكملت طريقها وهي تحاول الإتصال بيوسف لأخباره بهذه الخطوة .

*****************

حل مساء اليوم ومازال البحث عن يوسف .. عند عودة أمير إلى المنزل .. وجد سميحة مازالت مستيقظة، إقترب منها وجلس بجوارها وقال :

– أنت إللي مسهرك لحد دلوقتي يا أمي ؟

ردت بحزن :

– مجاليش نوم .. بالي مشغول بيوسف يا أمير أوي .. لسة تليفونه مقفول

زفر بضيق وهو يقول :

– ايوة .. معرفش غطسان فين ده كمان .. متعرفيش ممكن يكون فين ؟

ردت بحزن وتفكير :

– لما بتضيق بيه الحال بيروح يزور أمه

أعتدل جلسته في لهفة وإهتمام شديد ثم صاح في دهشة كأن فكرة خطرت على باله :

– إيه ! طنط فريدة !! .. ازاي الفكرة دي تاهت عن بالي ..

*********************

إلي هنا ينتهى الفصل الثالث والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_2]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى